أعيدوا لنا قصورنا

سهير جرادات

 الصياد نيوز- سهير الجردات

-بعد أن تنتهي موجة التغييرات في المناصب العليا ، والمتقدمة في الدولة ، وما يصاحبها من حالة رضا أو عدمه لعملية اختيار هذه الشخصيات ، يبدأ الحديث عن المكتسبات المالية ، التي يجلبها أصحاب "الحظوة " ، خلال جلوسهم على مقاعد هذه المناصب ، لتطفو على السطح الأرقام الفلكية ، التي حصلوا عليها نظير خدمتهم العامة ، التي في بعض الأحيان لا تتجاوز الأشهر أو السنوات القليلة .

يشعر المراقب أن هؤلاء جاءوا فقط من أجل جمع الأموال ، وبناء القصور ، فيكتشف المواطن أن أموال دولته ؛ قد نهبت ، لتنفق لصالح هذه الفئة بغض النظر عن تقديمها لإنجازات أو أخلاصها لوظيفتها ، أم لم تقدم شيئا يذكر !.
كلنا يذكر ذلك القصر الذي بيع بإثني عشر مليونا لأحد من تربعوا على عرش" الديوان " ، الذي لو جمعنا رواتبه على مدى سنوات خدمته ؛ لما تمكن من شراء سوى بضع أمتار من الأرض ، وتأسيس غرفة ، وتركيب شباك واحد وباب بلا زرفيل .
ولو عددنا القائمة فإنها ستطول ، فذلك المنزل الذي تم شراؤه ، وتجهيزه وتأثيثه في غضون 72 ساعة لرئيس قيادة ، وتلك القصور المشابهة ، التي منحت لرؤساء هيئة الأركان السابق والأسبق ،وأصبحت معلما للتوصيف في بلدنا ،عندما تقول بجانب فيلا الباشا فلان ، أو رئيس هيئة الأركان المشتركة فلان !..
وتتوزع القصور لتصبح كالمتاحف في عمان ؛ فتجد القصر الذي بناه أحد مدراء الأمن على قطعة أرض مطلة على شارع الاردن .
المضحك في الأمر أن مثل هؤلاء لم يحاربوا يوما قط ، ولم يضحوا بقطرة دم واحدة لتروي تراب هذا الوطن الغالي.
ناهيك عن تلك الفلل أو القصور أو لا أدري ما يطلق عليها من تصنيفات لرؤساء الوزراء السابقين ، فكلنا يذكر كيف كان أحد رؤساء الوزراء السابقين ، يجري مباحثاته لتشكيل حكومته الأولى في منزله في طبربور ، وكيف شكل حكومته الثانية في منزله الجديد في دابوق !..
تخيلوا أن هذه القصور اعطيت لهؤلاء رؤساء الحكومات كمكافأة لهم على ارتفاع المديونية ، التي تتزايد بصورة غير طبيعية ، دون الوقوف على الأسباب .
وحديثا قرأنا ما كتب عن القصر، الذي لم ينته منه بعد مدير "الجهاز "الذي خرج للتو من منصبه ، ولم يسعفه الوقت للإنتهاء من بنائه ، وترك الكرسي في الكرسي ، قبل أن ينتقل اليه ، وقد تناولت وسائل الإعلام الأرقام الفلكية لكلف الستائر فقط !..
لم يكن المسؤول في بلدنا بهذا الجشع ، فقد كان يخدم وطنه بكل حب وتفان ، ويقيم في منزل الوظيفة الذي لا يملكه ، فيتركه بانتهاء خدمته الوظيفية ، أو أنه كان يقيم في منزل مستأجر ، أو أنه يمتلك منزلا متواضعا حصل عليه من القروض التي توفرها بعض مؤسسات الدولة لموظفيها .

أذكركم بقائد الجيش الأردني، الذي تشهد المعارك التي شارك بها على سجله الحربي المشرف حابس المجالي، الذي عاش في منزل الوظيف ، وانتقل إلى منزله البسيط، الذي بناه بعد أن حصل على قرض الإسكان، كغيره من منتسبي القوات المسلحة الأردنية والمعروف قرب دوار الداخلية ، الذي أضطر الورثة لبيعه بعد وفاته لسداد الديون، التي كانت متراكمة عليه .

ولا أحد منا ينسى وصفي التل رئيس الوزراء ، الذي عاش في منزله الريفي الذي بناه غرفة غرفة ، وتحول الآن إلى متحف وطني ، يتيح للجميع الاطلاع على طبيعة الحياة البسطة لأحد الرموز الوطنية ممن حملوا فكرا عظيما نفتقد إليه ، في وقت نحن بأمس الحاجة لمثله .

واذكركم بتلك القصة التي أثرت في نفس الراحل الكبير الملك الحسين ، عندما زار معزيا منزل القاضي النزيه علي مسمار ، وجلس على كرسي تسنده "طوبة ".

نعم "طوبة "وليس كرسي مذهب مصنوع من خشب البلوط !..

ولا يتسع الكلام لذكر الكثير الكثير ممن ضربوا الأمثلة في النزاهة والتعفف ، ولا يسعنا إلا أن نقول : رحم الله هؤلاء الرجال الأوفياء الذين قدموا للوطن دون انتظار الحصول على مقابل ، وبقيت أسماؤهم نقية طاهرة ، لم تدنسها بريق المادة.

لن نبارك لأصحاب القصور المنهوبة على حساب الشعب المنهك ، ولن نقول لهم "صحتين" على قلب المسؤول ، بل نقول لهم بصوت عال أعيدوا لنا قصورنا ، فهي من أموال الشعب وعليها أن تعود إلى الشعب ..
.. ويبقى التساؤل الذي يطرح نفسه : ما الذي اختلف بين رجال الأمس ورجال اليوم ؟ ما الذي شجع هؤلاء المسؤولين وجعلهم يطمعون في الحصول على ما هو ليس حق لهم ؟ أم أن النوايا اختلفت وباتت الضمائر تباع وتشترى ، أم أن هناك تغيير في النهج ؟؟!!

حقا أن لكل زمان دولة ورجال

0 التعليقات

Write Down Your Responses