أوباما.. الرئيس الانطوائي

الصياد-نيوز
بالإضافة إلى الاقتصاد، والحربين، واستطلاعات الرأي.. يعاني أوباما من مشكلة أخرى، تتعلق بالناس هذه المرة. فرئيسنا لا يطيق الثرثرة،
ولا عبارات المجاملة، ونادرا ما يقضي أكثر من بضع دقائق في مصافحة أنصاره، كما يرفض أن يجامل حتى أكبر المتبرعين له. ليس هذا كل شيء، فعلاقته بالديمقراطيين في كابيتول هيل باردة للغاية، كما أنه يفضل ترك مسألة الضغط على أعضاء الكونجرس من أجل تمرير التشريعات المختلفة لنائبه بايدن.
أما دائرة مستشاريه المقربين فمحدودة، ولا تزيد عن دائرة أصدقائه الخلص الذين يختلطون به كرئيس. وليس هناك حاشية، ولا هناك أنصار يدافعون عن سياسي كان قد سحر العديد من أنصاره بشخصيته الرائعة واستعداده للتوافقات والحلول الوسط.
أوباما باختصار رجل انطوائي محب للعزلة يفضل السياسة، لكنه لا يفضل مصاحبة الرجال الذين يصنعون السياسة في هذا البلد. يقول أحد المخضرمين في واشنطن من مؤيدي أوباما: «هو يحب السياسة، لكن مثلما يحبها مدير الحملة الانتخابية لا مثلما يحبها المرشح الانتخابي. والفارق بين الاثنين أن الأول يستمد طاقته من العلم والاستراتيجية، بينما يستمدها الثاني من التواصل مع الناس».
وعزلة أوباما تزداد أهمية مع اقتراب حملة 2012 الانتخابية لأن هذه الحملة تدفعه إلى تبني استراتيجيات لإعادة الانتخاب تختلف كثيراً عن الاستراتيجيات التي كان يحتاجها لتأمين انتخابه كرئيس للمرة الأولى. ففي الحملة القادمة سوف يكون أوباما محتاجاً لتأمين دعم الحلفاء التقليديين للديمقراطيين، أي الأقليات والشواذ والشباب والمسنين واليهود.. بدلاً من السعي لـ»تكوين أصدقاء جدد»، وهي استراتيجية ثورية اتبعها عام 2008، ودفعت ملايين الناخبين الذين كان معظمهم يصوت لأول مرة، لصالح وعد التغيير الذي قدمه أوباما آنذاك.
لكن الذي حدث بعد أن نجح أوباما ووصل البيت الأبيض، أنه اتبع نهجاً يقوم على التقليل من قيمة الناس وقيمة الاختلاط بهم، سواء في كابيتول هيل أو في الشارع. والسؤال حول ما إذا كان أوباما ينسب إلى الجمهور الأميركي الكثير من الفضل والثناء أو لا ينسب إليه ذلك، لا يزال سؤالا بدون إجابة محددة داخل الإدارة الأميركية.
وعلى ما يبدو فإن ثقة الرئيس التامة في قدراته الذهنية وفي نفسه، قد حيدت المستشارين السياسيين، وصناع السياسة في البيت الأبيض، وقللت من تأثيرهم، ومن الدور الذي كان ينبغي عليهم الاضطلاع به. وكان لهذا تأثيره على المبادرات التي خرجت من البيت الأبيض وكانت: إما غير شعبية، أو غير مرضية، أو أصغر مما ينبغي، أو أكبر، أو لا صلة لها بالموضوع، بالنسبة لأمة يفتك بها عدم اليقين الاقتصادي.
وقد سعى مستشارو البيت الأبيض طويلاً إلى تبرير ما يرونه من عدم اتساق بين إنجازات الرئيس وبين معدلات تأييده المنخفضة، بالقول إنه أمر يتعلق بالتوصيل، وألقوا باللوم في ذلك على وسائل الإعلام التي تهتم بالتصريحات النارية، والبلاغة اللفظية، وأرقام آخر استطلاعات الرأي، والتنبؤات الخاطئة.
ورغم ذلك فإن أوباما يبدو مستعداً للقبول بجانب من المسؤولية عن الخطأ، والدليل أنه بدأ يترأس اجتماعات استراتيجية أكثر مما اعتاد منذ مجيئه للحكم، كما بدأ في الآونة الأخيرة عقد جلسات حرة أيام السبت مع طاقم البيت الأبيض والمستشارين الخارجيين، كانت تخصص في معظمها لبحث الكيفية التي يمكن التواصل بها مع القاعدة الانتخابية التي حان الوقت للتواصل معها مجدداً، بعد ثلاث سنوات من الوصول للحكم.
لكن لمن يستمع أوباما؟ إنه يستمع غالباً، كما يقول بعض العاملين في البيت الأبيض، للأكاديميين وأساتذة الجامعات، وكبار رجال البنوك، واستراتيجيي الحملات الانتخابية، والشخصيات المتفقة في طبيعتها مع شخصيته.
وكثيراً ما كان مسؤولو البيت الأبيض يقولون لي إن أوباما يستمع للجميع تقريبا خلال الاجتماعات، ثم يتخذ قرارات داخل مجموعة أصغر للغاية من المساعدين، وأنه نادراً ما يتواصل مع أحد خارج البيت الأبيض.
في هذه العزلة العقلية، اعتاد أوباما أن يطارد التاريخ داخل البيت الأبيض، بدلاً من التركيز على المشاكل اليومية الملحة في بلد يعاني من مشكلات اقتصادية عويصة، ويفقد يومياً آلاف الوظائف. كما أن تواصله الضعيف مع الديمقراطيين في كابيتول هيل، ظل مشكلة تؤثر على خططه الرامية لخلق وظائف جديدة، أو إعادة الوظائف المفقودة، وإنقاذ الاقتصاد، وبالتبعية إنقاذ مستقبله السياسي.
وفي الآونة الأخيرة قال أحد خبراء الشؤون الاستراتيجية في الحزب الديمقراطي لزميلي كريس سيليزا إن الشخص الذي تنفذ طاقته في الوقت الراهن بسرعة كبيرة هو أوباما نفسه، والمشكلة أنه ليس هناك كثيرون يهرعون لإنقاذه.
وأضاف ذلك الخبير: «لم يعد يفصلنا عن الانتخابات سوى عام واحد، والسيناتورات كلهم تقريباً منشغلون بترتيب أمور حملاتهم الخاصة، وليس لديهم الكثير من الطاقة ولا رأس المال السياسي يخصصونه لإنقاذ الرئيس.

سكوت ويلسون (صحفي أميركي
متخصص في شؤون البيت الأبيض)
«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

0 التعليقات

Write Down Your Responses