توجه لاستدعاء وزراء للتحقيق في إدخال "سماد الفضلات الآدمية" الإسرائيلي



بعد ثلاثة أشهر من إثارة القضية، ما تزال هيئة مكافحة الفساد تواصل تحقيقاتها في قضية إدخال مستثمر إسرائيلي واستخدامه لثلاث شحنات من سماد "الحمأة" (sludge)، وهو نوع من السماد العضوي المصنّع من الفضلات الآدمية، تمّ استيراده من إسرائيل، ويمنع القانون الأردني استعماله.

ورغم أن"مصادر حكومية" كانت قد أعلنت في 7 حزيران (يونيو) الماضي في تصريح صحفي لـ "الغد أن "هيئة مكافحة الفساد انتهت من التحقيق مع ثلاثة مسؤولين في وزارة الزراعة" وأنها ستنتهي "قريباً" من تحقيقاتها، وأنه سيتم إحالة القضية إلى النائب العام، إلا ان ثلاثة أشهر مضت بدون الكشف عن أية تطوّرات.
رئيس هيئة مكافحة الفساد سميح بينو، اكد في اتصال مع "الغد" أن التحقيق "يسير بشكل حثيث، ولكن اتضح لنا أنه سيأخذ شوطاً طويلاً لأننا سنقوم باستدعاء وزراء، وفي كل الأحوال فإنه بعد العيد مباشرة سيكون لدينا ما نعلن عنه، مع التأكيد على أن العدالة ستطال كل من يثبت تورّطه في هذه القضية كائناً من كان".
وكانت الهيئة كشفت القضية، عندما وجهت في 29 أيار (مايو) الماضي كتابا إلى وزارة الزراعة تطلب منها بيان السند القانوني الذي استندت إليه الوزارة عندما سمحت للمستثمر بإدخال شحنات السماد المصنّع من "مياه المجاري".
وقد ردّت وزارة الزراعة على الهيئة بتأكيدها أن الشحنات الثلاث قد دخلت فعلا بشكل غير مشروع، وبحسب كتاب أرسلته الوزارة إلى الهيئة، فإن هذه "المواد تم إدخالها واستعمالها بدون أن يتم تسجيلها أو فحصها حسب الأصول والطرق الفنية المعمول بها لدى وزارة الزراعة".
وتتلخص ملابسات القضية في أن المستثمر الإسرائيلي يملك مزرعة كبيرة للخضار والفواكه في منطقة القويرة، سجّلها في 17/6/2007 في وزارة الصناعة والتجارة، ونال بحسب وثائق حصلت عليها "الغد" إعفاءات على معدات زراعية بقيمة مليونين وسبعمائة ألف دينار تقريباً، إضافة إلى منحه حق الاقتراض من البنوك المحلية لتمويل مشروعه.
والتحقيق الجاري حالياً هو حول قيام هذا المستثمر في 23 أيلول (سبتمبر) 2007 بإدخال شحنة زنتها 55 طنّا من سماد الحمأة، عن طريق المعبر الشمالي لوادي الأردن،  أتبعها في 16 آذار (مارس) 2009 بشحنة ثانية من نفس النوع وزنها 64 طنّاً، دخلت أيضا عن طريق المعبر الشمالي، أما الشحنة الثالثة ووزنها 1000 طنّ، فقد دخلت في 13 كانون الثاني (يناير) 2010 عن طريق المعبر الجنوبي (العقبة).
ومن المعروف أن الحمأة هي مادة صلبة تترسب بعد معالجة مياه الصرف الصحي في محطات التنقية، وبحسب الدكتور
ضيف الله البدارنة، الأستاذ في كلية الزراعة في الجامعة الأردنية، والمتخصص في ميكروبولوجيا التربة، فإن خطر هذه المادة لا يقتصر على الآفات التي تحملها الفضلات الآدمية من فيروسات وبكتيريا، ولكن مياه الصرف الصحي تستقبل إضافة إلى ذلك النفايات الطبية والمنزلية ومخلفات المصانع، وكلها "تحوي آلاف المواد الكيميائية والعضوية شديدة السميّة والتي تترسب في التربة والنباتات وجسم الإنسان، وهي بهذا المعنى مدمرة للإنسان والبيئة".
ووفق البدارنة، فإن بعض دول العالم تستخدم هذا النوع من السماد ولكن بعد معالجته بواسطة تكنولوجيا عالية التطور "لا تملكها الدول النامية لأنها لا تستطيع تحمّل كلفتها، وهو ما يجعل هذا النوع من السماد المعالج مكلف جداً".
والمعالجة، كما يشدد البدارنة، لا تعني أن هذا السماد هو منتج آمن بالمطلق، لذلك فإن هذه الدول تطبق معايير صارمة تحدد استخداماته، ومنها على سبيل المثال "عدم استعماله لمحاصيل تؤكل نيئة".
وما يؤكد كلام البدارنة هو المعارضة الشديدة التي يواجهها استخدام هذه الأسمدة، حتى بعد معالجتها بتكنولوجيا متطوّرة، من قبل خبراء ومنظمات بيئية في العالم، وبالتحديد في أوروبا،  في حين تضع الولايات المتحدة معايير "متساهلة" نسبياً جعلتها محل انتقادات شديدة.
ووفق خبير الأسمدة المهندس محمد لؤي بيبرس فإن هناك دولاً وفي سبيل التخلص من الحمأة التي تشكّل بالنسبة إليها همّا بيئياً تقوم بدفع مبلغ مالي مقابل كلّ طنّ لأي جهة تتكفّل بأخذها.
الشحنات المذكورة دخلت الأردن واستعملت، حسب كتاب وزارة الزراعة بدون فحص، ما يعني أن أحداً لا يعرف إن كانت عولجت، أو أنها دخلت لاستخدامها بدون معالجة، وهو ما يحرّم دولياً.
والمزرعة المشغلة من قبل المستثمر الاسرائيلي تنتج الخضار والفواكه، ورغم أن بياناتها على موقع مراقبة الشركات تشير إلى أنها تنتج للتصدير، ولكن مصدراً من داخل سوق الخضار المركزي في عمان، أكّد لـ "الغد" أن الشركة تورّد محاصيل إلى السوق المحلية.
المصدر ذاته الذي فضّل عدم الكشف عن هويته قال "كنت أشاهد عبوات خضار وفواكه تحمل اسم الشركة يتم تنزيلها إلى السوق، ولكن هذا كان لفترة محدودة، وبعد انكشاف هوية المستثمر الإسرائيلي، بالاضافة الى تزايد نشاط مقاومة التطبيع ضدّه لم أعد أرى عبوات تحمل اسم هذه الشركة".
مصدر آخر يعمل في الاستثمارات الزراعية فضّل هو كذلك عدم الكشف عن هويته، قال لـ "الغد" إن الآلية التي تسير بها عملية تسويق المحاصيل الزراعية ترجّح أن هذا المستثمر ما زال يورّد محاصيله إلى السوق المحلية "صحيح أن إنتاجه مخصص للتصدير، ولكن لا مزرعة يمكنها أن تنتج محصولاً يكون كلّه مطابقاً لمواصفات التصدير، وهناك دائما نسبة من الانتاج تكون مخالفة لهذه المواصفات، وهذه ليس لها تصريف إلا السوق المحلية، حيث يأخذها تجار ويبيعونها بأسمائهم".
كيف اجتازت الشحنات الحدود؟
وفق نقيب المهندسين الزراعيين المهندس عبد الهادي الفلاحات، فإن دخول أي منتجات زراعية ومن بينها الأسمدة عبر الحدود يمرّ بسلسلة موافقات، فنوع السماد يجب أن يكون بداية مسجّلا في وزارة الزراعة، وعلى هذا  الاساس يمنح إذن الاستيراد، وبعد وصول الشحنة إلى المعبر يتمّ أخذ عينات للتأكد من مطابقتها المواصفات الأردنية.
ولأن الأردن يحرّم استعمال أي سماد مصنّع من الفضلات الآدمية فإن هذا يعني، كما يقول الفلاحات، أن المنتج ليس مسجلا في الوزارة، ومن هنا يبدي استغرابه من منح المستثمر إذن استيراد لمنتج غير مسجل أساساً في الوزارة.
الناطق الإعلامي باسم وزارة الزراعة الدكتور نمر حدادين صرّح لـ "الغد" أن الموافقة على إدخال أي منتج تمنح لكل من يملك رخصة استيراد، ويحدد في الطلب الذي يقدمه أن المنتج الذي ينوي استيراده مطابق للمواصفات الأردنية، وهذا كما يؤكد حدادين ما فعله المستثمر في هذه الحالة.
الخلل كما يقول حدادين حدث في المرحلة اللاحقة، عندما لم يقم المستثمر بإكمال الإجراءات ولم يخضع الشحنات التي أدخلها إلى الفحص للتأكد من أنها فعلا مطابقة للمواصفات كما هو متبع في هذه الحالات "ولهذا تمّت إحالة الملف إلى هيئة مكافحة الفساد والقضية الآن برمتها أمام الهيئة ومن ثم القضاء".
لكن المتتبع للوثائق يجد أن وزارة الزراعة قد لا تكون خالية الطرف تماماً من المسؤولية، فوفق وثيقة حصلت عليها "الغد"، وهي إذن تسليم صادر عن مديرية الأراضي والري في وزارة الزراعة، بتاريخ 15 آذار (مارس) 2009، تطلب المديرية من المعنيين في المعبر الحدودي السماح بإدخال شحنة الأسمدة المستوردة لصالح المستثمر الإسرائيلي، وفي الخانة التي يفترض أن يذكر فيها رقم تسجيل المادة في وزارة الزراعة كان هناك عبارة "بناء على موافقة وزير الزراعة".
يذكر أن المادة 20 من قانون الزراعة رقم 44 للعام 2002 تحظر إدخال أي نوع من الأسمدة لا يكون مسجلاً في وزارة الزراعة، ولكن التعليمات الصادرة بموجب هذه المادة منحت الوزير حق الموافقة على استيراد "عينات" من أسمدة غير مسجلة في الوزارة "لغايات إجراء التجارب" وبالكميات التي تحددها لجنة يشكلها الوزير.
التعليمات لم تحدد كميات محددة للعينات، ولكن السؤال هو إن كان بالإمكان التعامل مع 1119 طنّا، هو مجموع الشحنات الثلاث بوصفها "عينات" لإجراء التجارب.
وفي كل الأحوال فإن القانون الذي منح الوزير صلاحية الموافقة على إدخال "عينات" من أسمدة غير مسجلّة، لم يسمح بدخولها بدون إخضاعها للفحص، وهذا ما تمكنت هذه الشركة من فعله ثلاث مرّات، ما يثير التساؤل حول الآلية التي مكّنتها من ذلك؟.
ويقول المهندس محمد لؤي بيبرس إن النظام المطبّق في استيراد الأسمدة يسمح للمستورد بإدخالها بعد أخذ العينات وقبل ظهور نتائج الفحص، ذلك أنه "في حالات قليلة عندما يشك المسؤولون في المعبر الحدودي في منتج معين يتحفّظون عليه إلى حين ظهور نتائج الفحص، ولكن ما يجري في العادة هو أن المنتج يدخل، مع تعهّد يقدمه المستورد بعدم التصرف به إلا بعد ظهور نتائج الفحص".
"لغز" الشركة  المنتجة للسماد
بحسب "إذن التسليم" الصادر عن وزارة الزراعة، فإن الجهة المنتجة للسماد الذي استورده المستثمر الإسرائيلي هي (revivim)، وفي بحث موسّع قامت به "الغد" على شبكة الإنترنت في المواقع الإسرائيلية والعالمية المتخصصة في صناعة الأسمدة والتي تتضمن قوائم بأسماء الشركات المصنّعة للسماد في إسرائيل، فإنه لم يكن هناك وجود لشركة بهذا الاسم.
من جهته قام المهندس بيبرس ببحث مشابه على الشبكة، توصّل عبره إلى أن (revivim) هي مستوطنة إسرائيلية في صحراء النقب، ملاصقة لبلدة اسمها (yeroham) تقع فيها محطّة تنقية للمياه العادمة، ووفق بيبرس فإن هذا "ورغم أنه لا يقدّم معلومات أكيدة بأن المستوطنة هي مصدر شحنات سماد الحمأة، ولكن الربط بين المعلومات يجعل من هذا احتمالاً وارداً بقوة".
يذكر أن تقريراً يعرض لتجربة إسرائيل في معالجة مياه الصرف الصحي، ونشر في صحيفة (Jerusalem Post) في آب (أغسطس) 2010، تحدّث بالتفصيل عن محطة التنقية في (yeroham) التي تأسست في العام 2005، ووصفها بأنها الأكثر تطوّرا في إسرائيل.
وتطوّر تكنولوجيا التنقية كما هو معروف يقاس بقدرتها على إزالة أكبر قدر من المواد السامة في المياه العادمة وتركيزها من ثمّ في المادة الصلبة المترسبة وهي الحمأة، أي أن القدرة على إنتاج مياه أكثر نظافة يعني بالضرورة إنتاج حمأة أكثر سميّة.
وبحسب تقرير الـ (Jerusalem Post) فإن المياه التي تنتجها المحطة "صالحة للشرب".

0 التعليقات

Write Down Your Responses