نواب يُفصِّلون الدستور على "مقاسهم" لمنع حل مجلسهم

 
نواب يُفصِّلون الدستور على "مقاسهم" لمنع حل مجلسهمالصياد نيوز
- كان لافتاً تحرك نواب منذ بدء الجلسة الصباحية الأربعاء لمناقشة التعديلات الدستورية للدفع باتجاه منع حل مجلس النواب.

لم يكن الهدف مطلقاً على العموم أو إصلاحياً لغايته لكن المقترحات التي انصبت من قبل نواب اتجهت نحو "نشل" المجلس الحالي فقط من عملية الحل المرتقبة والتي كشف عنها الملك في مناسبات عديدة حيث وعد بإجراء انتخابات العام المقبل.

التقط النواب المادة (24) من مشروع التعديل الدستوري وكأنها غيثٌ من السماء فأخذ كل نائب يرمي بمقترحاته علَها تنقذ المجلس من غرق الحل، واستبسل نواب في صد أي فقرة يمكنها أن تؤدي لحل مجلسهم في حين ابتكر نواب الحلول من أجل الوصول لطرق تساهم في الإبقاء على برلمانهم.

وإن كانت التوجهات في ظاهرها إصلاحية نحو الحفاظ على السلطة التشريعية ومنع حل مجلس النواب لكن باطنها كشف عن دفاع النواب لأنفسهم وبقاء برلمانهم وهو ما أظهرته مداخلات نواب كانت أبرزها للنائبين سميح المومني وناريمان الروسان اللذين انتقدا بشدة مداخلة النائب عبد الله النسور الذي بتَّ بأن المقترح الذي يتحدث عن "عدم جوازية حل مجلسهم بسبب حل المجلس السابق" لن يستفيدوا منه.

بدأت مجريات الأحداث عندما اقترح النائب محمد زريقات رئيس كتلة العدالة والتغيير باسم كتلته وبالاشتراك مع كتلة الجبهة الوطنية الموحدة تعديلاً على الفقرة (1) من المادة (74) من الدستور حيث أن المادة وفقاً لمشروع التعديل تنص على "إذا حُل مجلس النواب لسبب ما، فلا يجوز حل المجلس الجديد للسبب نفسه".

هذه المادة وجدتها الكتلتان وبدعم عشرات النواب مدخلاً للتضييق على الصلاحيات الممنوحة لحل المجلس فهي المادة الوحيدة المفتوحة أمامهم وتتحدث عن "حل مجلس النواب" وهو موضوع يثير حنقهم كلما طرح في العلن.

المقترح النيابي كان هدفه الأساس تحصين المجلس الحالي (المجلس السادس عشر) لا غيره وإن كان النواب تناغموا مع تصريحات رئيس الحكومة بأنهم يشرعون لدولة وليس لمجلس أو حكومة، إلا أن مجريات الجلسة لم تكن تشي بذلك .

ما تقدم به زريقات كان ينص "اذا حُل مجلس النواب فلا يجوز حل المجلس الجديد"، وهذا النص يعني أن المجلس الحالي سيكون محمياً من الحل، بينما يمكن للملك أن يحل مجالس لاحقة، فالنص لا يلغي الحل بالكامل وإنما سيمنع حل المجلس الحالي كون المجلس السابق (الخامس عشر) تم حله في حين يمكن حل مجالس لاحقة، وهو يعني عدم استقرار التشريع وإنما سيطبق الحل على مجلس ولا يطبق على آخر، فالمجلس الجديد الذي سبقه حل مجلس قديم سيُمضي اربع سنيه ومن لم يحالفه الحظ فسيكون نصيبه الحل .

لا يمكن وصف المقترح إلا بـ"المقيف" و"المُفصَل" على مقاس المجلس الحالي، وهو ما دفع رئيس الوزراء ووزير العدل الاعتراض وتقديم مداخلة للتحذير من خطورة النص خلال سنوات لاحقة في حال تطبيقه وإقراره، منبهين إلى أن الحكومة والنواب في هذه اللحظة تشرع للدولة الأردنية وليس للحكومة ومجلس النواب الحالي.

استمر النواب في مناقشة هذا البند من المادة (74) رقم (24) في مشروع التعديل الدستوري نحو أربع ساعات ونصف الساعة بين جلستين صباحية ومسائية.

انبرى عشرات النواب للدفاع عن مقترح الكتلتين النيابيتين وتبنوه كونه تشريعاً إصلاحياً ومن بينهم نوابٌ كثرٌ كانوا قد صوتوا قبل يوم واحد على رفض تخفيض سن المترشح للانتخابات النيابية إلى 25 سنة ورفضوا أن تكون الأحزاب من الجهات التي يمكنها توجيه سؤال للمحكمة الدستورية ، ما يطرح تساؤلا إن كان الهدف فعلاً الإصلاح في التشريع أم الإنحياز للمصالح؟.

التعاطف الذي وجده المقترح كونه ينقذهم من شبح الحل، دفع بالنائب عبد الله النسور إلى تأكيد أن الفقرة موضوع النقاش تتحدث فقط عن "سبب حل المجلس" ولا يجوز أن تحمل الفقرة معاني أخرى.

النسور في محاولته وقف تزاحم النواب على تأييد المقترح حذرهم قائلاً "هذا التعديل لا يُبقي على مجلسكم"، مبيناً أنهم يحصنون المجلس المقبل - بما أن مجلسهم سيحل حتماً - نافياً صوابية توجههم.

ورد النائبان سميح المومني وناريمان الروسان على النسور حيث قال الأول "من قال إنه لا ينطبق على المجلس الحالي.. وكيف بتفتي على راسك"، أما الروسان فردت على النسور وطلبت ترك الموضوع للمحكمة الدستورية.

النائب عبد الكريم الدغمي كان مخالفاً لتوجه النواب وظل يردد "أمانتي المهنية تحتم عليَّ" ويقدم مداخلات في غاية الأهمية إلا أنه لم يشأ إحباط النواب، لكنه دافع عن توصية اللجنة التي تبنت مشروع التعديل وظل يتحدث عن اهمية الفقرات الواردة والتي تفرض الكثير من القيود منعاً للعبث بالسلطة التشريعية وتغول السلطة التنفيذية.

وبينما كانت النائب ردينة العطي تحثّ النواب التصويت على مقترح الزريقات لان من دونه سوف يحل المجلس؛ رد الدغمي "لا يجوز ممارسة الإرهاب الفكري فمن حق الجميع أن يصوت على أي اقتراح".

النائب ممدوح العبادي الذي انتقد الحل الذي طال مجالس النواب في عهده، ورغم تصويته على مقترح زريقات؛ حذر من خطورة تعارض إقرار المقترح مع نصوص الدستور وبخاصة المادة (34) من الدستور والتي تمنح الملك صلاحية حل مجلس النواب، مذكراً بأن المجلس مقيد بالمواد التي ارسلت من الحكومة .

أما النائب عبد الرحمن الحناقطة فأكد للنواب انهم يشرعون للمستقبل لا للحظة الحالية، مطالبهم بأن يكونوا منطقيين على الرغم من أنه "اكتوى بنار الحل" على حد وصفه، وقال: "إذا كان الإصلاح الديمقراطي يتطلب أن نكون جنودا لهذا الوطن فليكن ونقدم انفسنا ولا نهاب شيئاً".

كما قدم النائب مازن القاضي مداخلة أكد فيها أن قرار حل مجلس النواب لا يكون جزافاً او مزاجياً بل بقرار مدروس، داعياً ترك هذا الأمر للملك.
كما قدم نواب مداخلات كانت أقرب للمزاج الحكومي منها للمبدئية .

وقدم النائب مبارك الطوال من كتلة الجبهة الوطنية الموحدة - الكتلة التي تبنت المقترح أيضاً - مداخلة اكد فيها ازدواجية مبدأ بقاء مجلس النواب حيث يمكن لهذا البرلمان أن يحل والذي يليه مقيد على الملك حله، حينما قال دون أن يقصد المعنى السابق "هنالك من يقول ان المقترح يقيد صلاحيات الملك ونحن لا نقبل المساس بها، وهنالك من يقول عن تعارض المقترح مع مواد الدستور ولكن لا يوجد ذلك اذا قرأنا بتمعن .. اذا حل المجلس أي يمارس الملك صلاحياته لكن هذا مقيد بالنسبة للمجلس التالي".

وبعد جدال طويل تحت قبة البرلمان كاد المقترح أن ينفد حيث صوت لصالحه (75) نائباً وسط غياب (14) نائباً وامتناع نائب عن التصويت ومخالفة (30) نائباً، ولو كان عدد الغياب أقل لتغيرت النتيجة حيث اقصي المقترح بعد خسارته بـ (5) أصوات حيث كان يحتاج لـ (80) صوتا لنجاحه.

كان لافتاً أن النائب سامي الحسنات الذي اعلن عن تصويته بـ "المخالفة" على جميع المقترحات المطروحة للتصويت، وافق على المقترح السابق وقال "أوافق عشان مصلحة هذا المجلس".

في الجلسة المسائية حاول نواب من جديد الالتفاف على المقترحات لحظر حل مجلسهم وانبرى نواب في تقديم المقترحات وسط جدل حول مشروعية ذلك وفقا للنظام الداخلي كون المقترحات كانت قد حصرت في الجلسة الصباحية وشرع "النواب بالتصويت".

ووسط الجدل حول المقترحات المتبقية من الأخرى التي تم دمجها أكد رئيس اللجنة القانونية عبد الكريم الدغمي والنائب القانوني محمود الخرابشة عدم جوازية تقديم المقترحات، وأصرا على رأيهما بعد أن تقدم نواب بمقترحات جديدة خصوصاً بعد دخول النائب عبد الله النسور على الخط.

النسور تقدم بمقترح شامل ينص على انه "لا يجوز حل المجلس إلا لظروف قاهرة يتوجب ذكرها" لكنه رفض كونه جاء بعد الانتهاء من جمع المقترحات وبدء التصويت، ليسعى عبر نواب تقدموا بمقترحات تطوير مقترحاتهم والإضافة عليها وهو ما لاقى رفضاً من النواب الحقوقيين الذي وصفوا ما يجري بالمخالف للنظام الداخلي، وهو الأمر الذي دفع بوزير العدل لتأكيد أن ما يجري مخالف للنظام الداخلي وسط انتقادات نيابية لتدخله.

النائب الدغمي ذكّر بالمادة (71) من النظام الداخلي وقال أنه يجب التصويت على المقترحات المدرجة أمام رئاسة المجلس، مشيراً الى انه يجوز الدمج بين المقترحات المتبقية، وعندها كان البرلمان يدخل في "كولسات" وجلبة انتهت بصمت مطبق حينما اعلن النائب عبد الله النسور عن توافق جرى بين النواب على مقترح مبدياً تفاؤله به، وقرأ النص التالي "لا يجوز حل مجلس النواب إلا لأسباب ضرورية تجيزها المحكمة الدستورية".
وتابع النسور "يطبق النص على مجلس النواب قديمه وجديده وحاليه"، وهنا دخل نواب فرحين بالمقترح بحالة تصفيق لكنه كان مستغرباً بشكل واضح عند البعض حيث اعتبروا أن نشوة انتصار مبالغ فيها ظهرت على ملامح النسور ورفاقه .

بعد ذلك أكد الدغمي والخرابشة على مخالفة النظام الداخلي بالذهاب نحو تقديم مقترحات جديدة وقال الدغمي "ارجو ألا يفهم حديثي أنه رأي ضد رأي لكن الامانة المهنية تحتم عليَّ القول إن ذلك مخالف للنظام الداخلي، فما يجري الاتيان بأحكام جديدة على المقترحات وهو غير جائز".. وتابع "هذا ما اقوله واللي بدكو اياه ساووه".

الخرابشة استغرب المقترح الذي يقضي باللجوء الى المحكمة الدستورية لاستفتائها في امر لم يحدث (حل مفترض)، موضحاً ان المحكمة الدستورية للتو تم اقرارها، مذكرا بضرورة الالتزام بالنظام الداخلي ومطالبا باحترام الدستور.

بعد ذلك قدم النائب صالح اللوزي مداخلة أكد فيها أن الزمن المخصص للمقترحات انتهى، ويجوز دمج المقترحات التي تزامنت في الطرح أما المقترحات الجديدة فهو مخالف للنظام الداخلي.

بعد ذلك طالب الدغمي بالذهاب للتصويت على المقترحات الموجودة وهو ما دفع برئيس المجلس فيصل الفايز إلى حسم الامر والذهاب للتصويت على مقترح كتلة المستقبل لتنتهي المادة بتعديل النص ليصبح "لا يجوز حل مجلس النواب الا لأسباب واقعية وضرورية طارئة، واذا حل مجلس النواب لسبب ما فلا يجوز حل المجلس الجديد للاسباب ذاتها"، كما اشارت المادة في الفقرة الثالثة "الحكومة التي تحل مجلس النواب عليها ان تستقيل خلال اسبوع من تاريخ الحل ولا يكلف رئيسها لتشكيل الحكومة التي تليها" أما فقرتها الرابعة فتنص على الوزير الذي ينوي ترشيح نفسه للانتخابات ان يستقيل قبل ستين يوماً على الاقل من تاريخ الانتخابات".




1

0 التعليقات

Write Down Your Responses