ولادة نقابة المعلمين خطوة أولى في رحلة الألف ميل

الصياد نيوز
سنة بالضبط هي ما تفصل بين إحالة 50 معلما من نشطاء نقابة المعلمين على الاستيداع، في محاولة حكومية لوأد الحراك، الساعي إلى إعادة إحياء النقابة التي تمّ حلّها العام 1956 بقرار من الحاكم العسكري، وبين جلوس هؤلاء النشطاء في مؤتمر صحافي في مجمع النقابات المهنية في عمان، لإعلان ولادة النقابة، بعد ساعات من إقرار مجلس النواب لقانونها.
طوال عام ونصف، هي عمر حراك المعلمين، ظل الموقف الحكومي من تأسيس نقابة للمعلمين واحداً من المحكات التي تؤشر على وجود إرادة سياسية للإصلاح، وإلى أن حسم المجلس العالي لتفسير الدستور القضية في آذار (مارس) الماضي، وأفتى بدستورية النقابة، فإن تعاطي الحكومات المتعاقبة مع القضية، والذي كان يراوح بين الوعيد والتسويف والمماطلة، لم يكن يؤشر على جدية هذه الإرادة.
وجاءت الصيغة الحكومية لمشروع نقابة المعلمين لتعمّق الشكوك حول جديّة الرغبة بالإصلاح، فالمشروع الذي أحيل إلى مجلس النواب لإقراره، كان في جوهره كما وصفه معلمون يعيد إنتاج أندية المعلمين.
وتضمّن المشروع الحكومي بعضاً من مطالب المعلمين ومنها النص على إلزامية العضوية، الاستقلال المالي والإداري للنقابة، وبعض مطالب أخرى، ولكنه كان في مجمله كما يقول رئيس اللجنة الوطنية لإحياء نقابة المعلمين مصطفى الرواشدة "يجافي العدالة والمنطق".
المشروع ألزم النقابة بعدم التدخل في السياسات التربوية والمناهج والمعايير المهنية، كما أنه حصر التمثيل النقابي بمن هم على رأس عملهم من المعلمين في المؤسسات التربوية الخاضعة لإشراف وزارة التربية. وحرم المعلمين في مراكز التدريب المهني ومدارس وكالة الغوث وغيرها من المؤسسات غير الخاضعة لإشراف الوزارة، إضافة إلى متقاعدي وزارة التربية والتعليم من التمثيل النقابي.
كما أنه أعطى وزير التربية الحق في تأجيل الانتخابات لأي أسباب استثنائية يراها مقنعة.
أما البند الأكثر إشكالية فهو اعتماد هيكلة قائمة على التمثيل بحسب المديرية بدلا من المحافظة، ما يعيد إلى الأذهان "سيناريو الصوت الواحد التفتيتي".
تعديلات النواب كانت هي ما سمح في النهاية بالوصول إلى صيغة حظيت بالحدّ الأدنى من التوافق بين المعلمين والحكومة، فعدّلت الهيكلة ليصبح التمثيل 12 ممثلاً عن كل محافظة، إضافة إلى ممثل عن كل مديرية وممثل عن كل ألف معلم، بدلا من هيكلة الحكومة التي تنص على خمسة ممثلين عن كل مديرية وممثل عن كل 500 معلم، وهو تعديل يجد بين أوساط المعلمين من يعارضه.
يقول سلطان البطاينة من لجنة معلمي الأردن إن "الصيغة الحكومية كانت ستضمن تمثيلا أوسع وأكثر شمولية بدلا من صيغة المحافظة التي ستجعل مراكز المحافظات تهيمن عليه".
لكن الرواشدة يقول إن "اعتماد المديرية كان سيفتت العمل النقابي ويضعفه، وأن الحال لو كانت تسمح فإن اللجنة كانت ستدعم تمثيلا على مستوى الوطن، ولكن في ظل الظروف الحالية فإن أضعف الإيمان هو الحفاظ على وحدة المحافظة".
التعديل الإيجابي الآخر تمثّل في وضع سقف زمني مدته ستة أشهر يحدد تأجيل الوزير للانتخابات بعد أن كانت مدة التأجيل مفتوحةً.
كما أن النواب عدّلوا في بند كان ينصّ على الحوار كأسلوب وحيد لتبني مطالب المعلمين، فأضافوا إليه "الأساليب المشروعة" وهي وفق الدستور الاعتصام والإضراب عن العمل.
يقول الناطق باسم اللجنة الوطنية لإحياء نقابة المعلمين معاذ البطوش إن "المعلمين خاضوا الحوار لسنوات طويلة لنيل مطالبهم؛ ذلك أن المطالبات بإحياء النقابة بدأت من منتصف التسعينات، وكان الحوار هو الوسيلة الوحيدة، ولكن ما تحقق على الأرض جاء بفضل الاعتصامات.
ثغرات أساسية تفرّغ النقابة من معناها
رغم أن المشروع كما أقره النواب يحظى كما سبق بحدّ أدنى من التوافق، لكن المعلمين مع ذلك يعترضون على ما يقولون إنها ثغرات أساسية في القانون تفرّغ في كثير من الجوانب النقابة من معناها. 
إحدى أبرز هذه الثغرات هي ما يقول الناطق الإعلامي للجنة معلمي عمان الحرة شرف أبو رمان هو إلزام النقابة بعدم التدخل في السياسات التعليمية والمناهج والمعايير المهنية، في حين أن النقابة -كما يرى- لها الحق في أن تكون جهة شريكة ومراقبة في السياسات التعليمية والمناهج بوصفها مؤسسة مجتمع مدني مختصة بالشأن التربوي.
ورغم أن الناطق الإعلامي في وزارة التربية والتعليم أيمن بركات يؤكد أن المعلمين شركاء فعلا في صياغة القرار التربوي من خلال الشراكة في "تأليف المناهج، والدورات التربوية، وهم أعضاء في لجان عديدة في الوزارة، وهذا كله يثبت أنهم شركاء فاعلون".
لكن البطوش يرى من ناحيته أن التردي الواضح الذي شهدته مسيرة التعليم في الأردن، هو دليل على ضرورة تغيير السياسات التربوية.
ويؤكد أن النقابة كممثل حقيقي للمعلمين يجب أن تكون واحدة من الجهات الأساسية التي تقوم على صياغة هذه السياسات.
الثغرة الأخرى، بحسب الرواشدة، هي في موافقة مجلس النواب على الفقرة التي تمّ بموجبها حصر التمثيل النقابي بمعلمي وزارة التربية ممن هم على رأس عملهم، ليتم بذلك استثناء شرائح واسعة من العاملين في مهنة التعليم في قطاعات مختلفة، إضافة إلى استثناء المتقاعدين من وزارة التربية.
بركات أوضح أن "استثناء معلمي وكالة الغوث يعود إلى أنهم يخضعون إلى جهة دولية هي الأونروا"، وفي حين رفض بركات التعليق على استثناء المتقاعدين والمحالين على الاستيداع.
يعلق البطاينة إن "استثناء هؤلاء بالتحديد هو ظلم كبير، فالمطالبات بإحياء النقابة مستمرة منذ عقود، وكونها تحققت على يد الجيل الحالي من المعلمين لا يعني حرمان الأجيال السابقة من الاستفادة من مكاسبها".
من الأمور التي أثارت الانتقاد أيضا حظر العمل الحزبي، ورغم أن القانون لم يحظر العمل الحزبي على المعلمين بل حظره على النقابة نفسها، وهو ما يرى أبو رمان أنه ينطوي على "نَفَس عرفي؛ فالنقابة مؤسسة مجتمع مدني وليست مؤسسة عسكرية، وهذا يخالف التوجيهات الملكية التي تدعو إلى انتشار ثقافة الأحزاب، وهو أمر نطالب به من حيث المبدأ رغم عدم انتمائنا كلجنة إلى أي حزب".
إلزامية العضوية بين حقوق الإنسان ومتطلبات الواقع
لقد كان ذلك من أكثر البنود إثارة للجدل، وقد تمت إجازته بصعوبة من قبل اللجنة القانونية في مجلس النواب الذي تشدد رئيسها الدكتور عبدالكريم الدغمي في سبيل تعديله باتجاه جعل العضوية اختيارية، ودفع في جلسة المناقشة بأن مبدأ الإلزامية يتنافى مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتنافى أيضا مع الدستور الأردني، موضحاً أن ذلك ينسحب على إلزامية العضوية الذي تطبقه النقابات المهنية في الأردن.
وهو ما يوافقه عليه هاشم الشباطات، رئيس لجنة وطن للقطاع التربوي، وهي أحدث لجان المعلمين، ففي حين تشكلت اللجان الثلاث الأولى التي ورد ذكرها في التقرير، بداية الحراك قبل عام ونصف، فإن لجنة وطن تأسست في شباط (فبراير) هذا العام، وهي تختلف عن اللجان الأخرى بأنها على نقيضها مناهضة للنقابة وبالتحديد لمبدأ إلزامية العضوية.
الشباطات كما قال لـ"الغد" "خاطب الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية، وسفارات دول أوروبية وذلك للضغط من أجل التراجع عن مبدأ إلزامية العضوية".
وقال إن "الإلزامية جاءت في الأساس نتيجة حسابات سياسية وهي تخوّف الحكومة والنواب من سيطرة الإخوان المسلمين الأكثر قدرة على التنظيم والحشد على النقابة في حال جعل الانتساب إليها اختياريا".
ووفق الشباطات، فإن على النقابة أن تثبت نفسها على الأرض، وأن تحفز المعلمين بما تقدمه من مكتسبات لهم بأن ينتسبوا إليها لا أن تجبرهم على ذلك.
البطوش، الذي يرى أن الكلام عن انتهاك الإلزامية لحق الإنسان في الاختيار، هو "كلمة حق يراد بها باطل"، يقول إن هذا ليس الانتهاك الوحيد لحقوق الإنسان في الأردن "وعندما نصل إلى مرحلة يتم فيها معالجة جميع الانتهاكات يمكن هنا التفرغ لمسألة إلزامية العضوية".
ويضيف أن النقابة في مرحلة تحتاج فيها إلى "تمكين، ومن دون إمكانات مالية مناسبة فإنها لن تتمكن من تحقيق أي مكتسبات لمنتسبيها".
وينوّه هنا أبو رمان إلى أن رسم الاشتراك الشهري لن يكون بأي حال عبئاً على المعلمين "عدد المعلمين يقارب التسعين ألفا، وهذا يعني أن نصف دينار أو دينار شهريا سيؤمن للنقابة مبلغاً كافياً لتحقيق أهدافها".
شنيكات: القانون وضعه بشر والمعلمون قادرون على تغييره
لقد أعاد المعلمون بعث نقابتهم بعد 55 عاماً من حلّها، وهي بصيغتها الحالية ليست كما يقول الرواشدة نسخة عمّا أرادوه وعملوا طوال الفترة الماضية من أجله "ولكن مجرد عودتها هو في حد ذاته إنجاز تاريخي، وسوف نواصل العمل من أجل علاج ما نعتقد أنه خلل في قانونها".
يؤيد ذلك النائب الدكتور مصطفى شنيكات، الذي يقول إن "ما هو قادم منوط الآن بالمعلمين، وقدرتهم على الالتفاف حول نقابتهم، والتصرف بحكمة ووعي، والعمل جديا لتحقيق المكتسبات للمعلمين".
وعن الثغرات في بعض جوانب القانون يقول شنيكات "هذا القانون وضعه بشر، والقوانين يتم تعديلها طوال الوقت. المهم أنهم حققوا الأساس وهو الحصول على نقابة، وهم إذا استطاعوا حماية نقابتهم الوليدة وتحويلها إلى كيان صلب فإنهم سيتمكنون من فرض التغييرات التي يطمحون إليها".

0 التعليقات

Write Down Your Responses