محاربة الفساد.. مسؤولية فردية في المقام الأول

عامر الحسيني

عامر الحسيني الفساد غالبا سلوك ينحصر في دوائر مجتمعية صغيرة، متى تعداها ليصبح سلوكا جماعيا يكون قد تجاوز إلى الفساد المنظم، وهو أخطر بلا شك. المتعامل في الفساد قد يقع في شَركِه
بدون أي مقدمات، وقد تكون دوافعه بعيدة كل البعد عن فكر وسلوك متبني الفساد المنظم. النوع الأول يكون من الصعب التنبؤ به، أو كشفه إلا بالتعامل المباشر معه، بخلاف النوع الثاني الذي تزكم رائحته الأنوف. الفرد في المجتمع والمنظمة يكون الأداة الأولية في كشف الفساد ومحاربته. في هذا المقال سأورد قصتين عشتهما واستفدت منهما في كيف أن يكون الفرد أداة من أدوات حدوث الفساد ومحاربته.

القصة الأولى حدثت في مقر حكومي "في بريطانيا" يقدم خدماته للمقيمين. شاب قدم لإنجاز معاملته، ولأنه مسافر كان يحمل شاحن الجوال معه في هذه المراجعة، وحال انتظاره لإنجاز معاملته بدأ في شحن جواله من صالة الانتظار من خلال الكهرباء العامة في المبنى، تلاحظ الموقف عاملة في المبنى تدير كشكا لبيع القهوة. تأتي وتتحدث معه بصوت عال يسمعها كل من في الصالة، وتعطيه درسا مفاده أن هذا التصرف خاطئ لأنه يستغل موردا حكوميا يخص الشعب بأكمله في تحقيق منفعة خاصة له. وأجزم أن الجميع وعى الدرس من هذه السيدة. حينها تذكرت كيف يتعامل بعض موظفينا مع الممتلكات العامة، من هاتف، وفاكس، وآلة تصوير، وكمبيوتر وسيارة رسمية.

القصة الثانية حدثت مع الإضراب الذي نظمه موظفو القطاع الحكومي في بريطانيا خلال الشهر الماضي، عندما يتفق مسيرو الاتحادات العمالية لمحاولة التأثير في القرار الرسمي الذي تود اتخاذه الحكومة، من خلال تنفيذ إضراب عام لمدة يوم واحد يتوقف فيه العاملون عن الذهاب لأعمالهم. إلى هنا القصة قد تبدو عادية، لكن هذا التوقف سيترتب عليه تأجيل معاملات ومواعيد وتوقف دراسة ليوم واحد سيكلف الدولة ما يقارب 500 مليون جنيه استرليني كما تقول BBC. الأمر الغريب، هو أن يتم الاعتذار للمراجعين الذين لحق بهم الأذى المباشر سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، وإعادة جدولة مواعيدهم حتى لا يتأثروا أكثر. وفي حالة طلاب المدارس يتم عرض تنفيذ برامج خاصة للأطفال الذين سيحرمون من مدارسهم في ذلك اليوم. حينها تذكرت بعض موظفينا حينما يترك معاملة في درج مكتبه، ويسافر في إجازة خاصة، أو بعض المسؤولين عن أمور المواطن المباشرة حينما لا يكونون في مزاجية عالية تسمح لهم بالحضور والتعامل مع قضايا ومطالب المواطن.

بعد كل هذا، أيقنت أن محاربة الفساد تأتي من خلال ثقافة تغرس في أفراد المجتمع، أساسها تكافؤ الحقوق والعدالة في المعاملة. وفي هذه الأثناء بدأت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تنفيذ خطة توعوية من خلال إعلانات توعوية تحث المواطن على أن يكون عنصرا فاعلا في محاربة الفساد وكشفه. إضافة إلى الاستعانة بالعلماء للتوعية من الفساد ومخاطرة. وهنا نرجو للهيئة التوفيق في بداية عملها، وأذكر أن غرس هذه الثقافة في حاجة إلى تكاتف الجهود وتوظيف كل قنوات التأثير المباشر وغير المباشر، من خلال التوعية المقروءة والمرئية، وبالاستفادة من مشاهير المجتمع، وإبراز القصص الفردية الشجاعة التي تشارك في تنفيذ مهام هذه الهيئة.

*نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.

0 التعليقات

Write Down Your Responses