العنف الجامعي.. الواسطة والمحسوبية أولى الأسباب


 
صورة

الصياد نيوز -- اقترح طلبة جامعات عقدَ مؤتمر وطني تشارك فيه جميع الأطراف ذات العلاقة، لبحث ظاهرة العنف الجامعي من حيث أسبابها وتأثيراتها والحلول المناسبة لمواجهتها.
ودعا الطلبة الذين شاركوا في استطلاع رأي أجراه مركز الرأي للدراسات، إلى تعزيز الحريات الطلابية، وإتاحة المجال أمام الطلبة الذين يحملون توجهات سياسية
للتعبير عن آرائهم ومواقفهم، وعدم تدخل الإدارات الجامعية بالاتحادات والأندية الطلابية، وإفساح المجال أمامها لتعبر بشكل واقعي وحقيقي عن الإرادة الطلابية، ما يسهم في التخفيف من وتيرة العنف الجامعي الذي يكاد يهيمن على المشهد العام في مؤسسات التعليم العالي في المملكة. ظاهرة
العنف الجامعي اتخذت أبعاداً أدت مؤخراً إلى التطاول على القانون والإضرار بالغير والقيام بأعمال تخريب للممتلكات العامة والخاصة، إلى جانب الإساءة لصورة التعليم العالي، وما تسببت به من توترات اجتماعية بين أفراد المجتمع بعد انتقال العنف إلى خارج أسوار الجامعة في بعض الحالات.



وأوصى طلبةٌ مشاركون في الاستطلاع باستحداث أبواب وفصول دراسية في المناهج الجامعية، خصوصاً التربية الوطنية، تركّز على حقوق الطالب وواجباته واحترامه للقوانين واللوائح الجامعية. إلى جانب تنمية لغة الحوار بين الطلبة، وحفزهم على احترام الرأي والرأي الآخر، والمساواة بين الطلبة من قبل أعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية، للتخفيف من حدة الإحباط الذي يعانون منه في مجالات الواسطة والمحسوبية.
وركز المشاركون على أهمية تشديد العقوبات تجاه المشاركين بأحداث العنف الجامعي كي يكون ذلك رادعاً للذين يسهل عليهم المشاركة بأعمال العنف. إضافة إلى الرقابة المستمرة من الإدارات الجامعية لأداء الأمن الجامعي الذي ينبغي أن لا يتعدى دوره المحد من إدارات الجامعات.
وبموازاة ذلك، استمرار الجامعات والمؤسسات المعنية بالشباب في عقد المزيد من الندوات والمحاضرات وورش العمل، التي تدرس الظاهرة من جوانبها المختلفة، واضطلاع وسائل الإعلام بالدور التوعوي المطلوب تجاه الظاهرة.
الاستطلاع اجري على عينة شمولية أكثر من نصفها من جامعات الوسط، الذكور فيها يمثلون نصف العينة، معظمها ديانته الإسلام وجنسيته أردنية، ثلاثة أرباعها تقريباً من سكان المدن، ومثلهم تقريباً تتراوح معدلاتهم في الثانوية العامة بين 70 -89 %، يدرس 83 % منهم في جامعات حكومية، وأكثر من نصفهم في كليات إنسانية.
وكشف الاستطلاع الذي شارك فيه نحو 1500 طالب، أن أعمال العنف تقع في الكليات الإنسانية والاجتماعية أكثر من الكليات العلمية، وذلك بحسبهم نظراً للأعباء الدراسية التي تقع على عاتق طلبة الكليات العلمية، وبالتالي عدم وجود متسع من الوقت لديهم للاحتكاك بالآخرين.
وقد احتلت الواسطة والمحسوبية المرتبة الأولى بين 13 متغيراً في الاستطلاع، إذ أبدى 61.8 % من أفراد العينة موافقتهم بشدة على أن هناك علاقة ما بين العنف الجامعي الذي تشهده الجامعات الأردنية والواسطة والمحسوبية في هذه الجامعات. ما يعني أن نسبة كبيرة من المشاجرات تقع نظراً لاحتقانات لدى طلبة يشعرون أن هناك تمييزاً بينهم وبين زملائهم، سواء من قبل أعضاء الهيئة التدريسية أو من الأقسام الإدارية والكليات الجامعية، فينساقون للمشاركة بأعمال عنف لاعتقادهم أن ظلماً وإجحافاً وقع بحقهم.
وتوضح النتائج أن «التساهل في تطبيق العقوبات» احتل المرتبة الثانية بين المتغيرات ذات العلاقة بأسباب ظاهرة العنف الجامعي، فقد أجاب 692 طالباً وطالبة من أفراد العينة (ما نسبته 47.4 %) أنهم يوافقون بشدة على ذلك. فبحسب العينة، فإن العنف الجامعي يغذّيه عدمُ اتخاذ القرارات المناسبة تجاه المخالفات التي يرتكبها طلبة، والتراجع عن العقوبات التي تصدرها إدارات الجامعات أو التخفيف منها نزولاً عند تدخلات آخرين من الوسط الجامعي أو من خارجه.
ومما يُشار إليه في سياق متصل، أن الجامعات حين تبدي تساهلاً كبيراً في دخول «الغرباء» أو «الدخلاء على البيئة الطلابية» إليها، خصوصاً عند حدوث توترات بين بعض الطلبة، سوف تحقن هذه التوترات بتوفير تحشيد لأطراف النزاع من قبل معارفهم وأقاربهم، إذ تُظهر تحقيقات عديدة أجرتها الجامعات على خلفية حدوث مشاجرات فيها أن الدخلاء من خارج الجامعات يسهمون بشكل ملحوظ فيها.
ويبدو التساهل في الإجراءات الأمنية داخل الجامعات من بين أبرز المتغيرات ذات العلاقة بأسباب العنف الجامعي، فقد أبدى 46.8 % من الطلبة موافقتهم بشدة على أن هذا التساهل يسهم في وقوع العنف الجامعي ومن ثم استمراره. وقد يعود السبب في ذلك إما لأن الأجهزة الأمنية الجامعية لا تملك مسؤوليات قانونية وإدارية، أو أنها مسلوبة المسؤولية من الإدارات الجامعية، التي يبدو أنها تحرص على استمرار الدور الشكلي لهذه الأجهزة، ما يستوجب تحديد دور هذه الأجهزة ومسؤولياتها، ومنحها الصلاحيات التي تكفل لها ممارسة مسؤوليتها الأمنية بين الطلبة قبل اندلاع المشاجرات وعند وقوعها.
ومن المتغيرات التي احتلت مرتبة متقدمة في العلاقة التي تربطها مع أسباب العنف الجامعي، غياب الدور الحقيقي والفاعل لاتحادات ومجالس الطلبة في الجامعات التي قد يبدو أنها تعبّر عن إرادة الجامعات أكثر من تعبيرها عن إرادة الطلبة الذين تمثلهم.
ولأن نصف أفراد العينة يرون أن «غياب المساقات الميدانية» يرتبط بعلاقة كبيرة بأسباب العنف الجامعي أيضاً، فإن هذا يستدعي طرح مثل هذه المساقات وتفعيل دورها ليطال المجتمع المحلي، ذلك لأن دراسة الطالب لمثل هذه المساقات من شأنه أن ينمّي شخصيته ويعزز علاقاته بأقرانه وبمجتمعه.
أما المتغيرات الأقل أهمية فتتوزع بين الاختلاط داخل الجامعات، وعدم التشدد في المحاسبة على الغياب عن المحاضرات، وتوزيع مواقع بعض الكليات داخل الحرم الجامعي. بينما يقع القبول وفق نظام البعثات، ونظام الساعات المعتمدة، والقبول وفق البرنامج الموازي، في المراتب الثلاث الأخيرة، ما يشير إلى أن ارتباطها بأسباب العنف الجامعي لا يشكل أهمية حقيقية في نظر الطلبة.
ومما يجدر التوقف عنده في سياق الحديث عن الأسباب الاجتماعية والثقافية لظاهرة العنف الجامعي، موضوع الاختلاف العشائري، وسوء الفهم لمصطلحَي «النخوة» و»الشجاعة»، ما يكشف عن أن المفاهيم والأخلاقيات والقيم العشائرية تمارَس بين الطلبة في الجامعات بشكل سلبي ينافي أخلاقيات العشائر الأردنية التي يرتبط أبناؤها بعلاقات الدم والمصاهرة والأخوّة.
ويبدو أفرادُ العينة مدركين لحقيقة أن أقرانهم الذين يمارسون العنف الجامعي يشاركون به وفق مفاهيم مغلوطة للنخوة والشجاعة، فما إن تندلع مشاجرة بين طالب وآخر حتى يشارك بها أقارب الطرفين وأصدقاؤهم امتثالاً لمثل هذه المفاهيم السلبية، لأنهم قد يرون أنه من العيب والعار ألاّ يناصرون بعضهم بعضاً. وهو ما يستدعي من الإدارات الجامعية التركيز على الجوانب الإيجابية لمثل هذه القيم والمفاهيم، وذلك من خلال المساقات الدراسية والمحاضرات والندوات، لأن الفهم الخاطىء لمقولة «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» لا يجوز لها أن تحكم العلاقات الطلابية في الجامعات.
ويرتبط العنف الجامعي أيضاً بإثارة الهويات والانتماءات الفرعية بين الطلبة، إلى جانب افتقار الطلبة لأساليب التعبير عن الرأي، والاختلاف الفكري والسياسي، وغياب الانتماء السياسي والفكري للطالب، والاختلاف في المستوى الاجتماعي، ثم تدني التحصيل الدراسي للطالب، تلاه الاختلاف في المستوى الاقتصادي، وأخيراً الاختلاف الديني.
وتتخذ ظاهرة العنف الجامعي أشكالاً مختلفة، يتصدرها العنف اللفظي الذي يتمثل بالسب والشتم.
ومع الإدراك أن هذا النوع من العنف من أقل السلوكات سلبية وخطورة، إلا أن ممارسته داخل الحرم الجامعي تتنافى مع الأخلاقيات والسلوكات التي يُفترض أن تتسم بها العلاقات الطلابية، خصوصاً أن العنف اللفظي قد يؤدي في حال تفاقمه، إلى أشكال أخرى عنيفة.
وغالباً ما تترافق الاستعانة بأشخاص من الخارج مع حدوث أعمال عنف في الجامعات، يتبعها استخدام القوة الجسدية والمتمثل بالعراك من خلال الأيدي والأرجل. ثم العنف غير اللفظي (التحرش والإيماءات)، فإلحاق الضرر بممتلكات الجامعة، وبدرجة أقل استخدام الأدوات الحادة، فالعصي والحجارة ثم الأسلحة النارية.
ومن الآثار التي تنجم عن ظاهرة العنف الجامعي، التأثير السلبي على العلاقات التي تربط الطلبة بعضهم ببعض، فبدلاً من أن تسود بينهم روح الزمالة والصداقة والاحترام المتبادل، فإنهم يعزفون عن التعامل بعضهم مع بعض، ويتوجسون عن إقامة أي علاقات إيجابية في ما بينهم.
أن استمرار مظاهر العنف داخل الجامعات ينعكس سلباً على هيبة المؤسسات التعليمية والتربوية واحترام الطلبة لها، وبالتالي فقدانهم الثقة بها مادياً ومعنوياً.
ويترك العنف الجامعي آثاراً سلبية على العائلات التي ينتمي إليها الطلبة، فالخلافات والمشاجرات الجامعية لا تنحصر آثارها داخل الحرم الجامعي فحسب، بل تمتد لتطال الأقارب والأهل الذين ينتمي لهم الطلبة.
كما أن ظاهرة العنف الجامعي تترك آثاراً سلبية على نظرة المجتمع المحلي للتعليم الجامعي، فاستمرار العنف قد يغير التقييم الاجتماعي والإنساني للجامعات من أنها منارات علم ومعرفة تضم في جنباتها بناة الوطن وصناع مستقبله، إلى ما يتناقض مع هذه القيم والمفاهيم، ما يضرّ بسمعة الجامعات الأردنية ليس محلياً فحسب، وإنما على الصعيد الخارجي أيضاً.
وينعكس العنف الجامعي سلباً على العملية التعليمية داخل الجامعات، فالدراسة في الجامعات تتطلب الهدوء والاستقرار بعيداً عن مظاهر الفوضى والإزعاج التي تترافق مع أعمال العنف التي قد تؤدي إلى توقف التدريس، لوقوعها بالقرب من القاعات الدراسية، أو لانصراف الطلبة عن محاضراتهم إما للمشاركة بأعمال العنف أو لفضول الوقوف على أحداثها.
إزاء كل هذه الحقائق والمعطيات، يَبرز الالتزام بتطبيق العقوبات الرادعة في طليعة الحلول المقترحة لمواجهة ظاهرة العنف الجامعي.
فبما أن الجامعات كثيراً ما تتراجع عن العقوبات التي تتخذها بحق مشاركين في العنف الجامعي نظراً لاعتبارات متعددة، فإنها تسهل على الطلبة المشاركة في أعمال العنف، وعلى الخلاف من ذلك فإن تنفيذ العقوبات وسريانها على المخالفين قد يحدّ من تكرار المخالفات، سواء من الذين ارتكبوها سابقاً أو من غيرهم من الطلبة.
ولا تنقطع الدعوات عن محاربة الواسطة والمحسوبية داخل الحرم الجامعي، ذلك أنهما تؤديان إلى المزيد من الاحتقانات والشعور بالغبن والظلم، سواء كان ذلك في الامتحانات أو في المعاملات الإدارية أو في غيرها من الفرص التي قد يحصل عليها الطلبة.
وأخيراً، لا بد من التأكيد على أهمية الدور التوعوي لوسائل الإعلام في الحد من هذه الظاهرة، ولما كانت غالبية الجامعات تملك وسائل إعلام خاصة بها، تتمثل بالصحف والمجلات والإذاعات والمواقع الالكترونية، فإنها مطالَبة باستغلال هذه الوسائل لتوعية الطلبة بخطورة هذه الظاهرة وانعكاساتها السلبية عليهم وعلى دراستهم وعلى جامعاتهم والمجتمع الذي ينتمون إليه، إلى جانب الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام الوطنية، في المساهمة في توعية الطلبة للحد من هذه الظاهرة ومنع استمرارها.
وهذا لا بد أن يترافق مع فتح قنوات لتعبير الطلبة عن آرائهم، وتفعيل مجالس الطلبة، وتفعيل الأنشطة اللامنهجية.

0 التعليقات

Write Down Your Responses