رفاق البوعزيزي يترقبون بحذر ما ستفعله حكومة الجبالي


شباب سيدي بوزيد وفتيات قراها ومزارعها، الذين أشعلوا مع رفيقهم وملهمهم الراحل البوعزيزي ثورة اسقطت نظام بن علي، يترقبون بحذر ما ستفعله حكومة الاسلاميين في معقل الثورة، التي عانت من الإهمال والنسيان.

 

تشكلت حكومة حمادي الجبالي، الامين العام لحزب النهضة الاسلامي في تونس وشرعت في العمل، لكن التحديات التي تنتظرها كثيرة على المستويات الامنية والاجتماعية والاقتصادية. وتطرح عليها اشكاليات تتعلق بالهوية وحتى باللباس والنقاب
وحرية التظاهر والاعتصام. في زيارة ميدانية لمدينة سيدي بوزيد، إلتقينا عددا من شبانها الذين كانوا من المبادرين باشعال فتيل الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي وبوأت الحكام الجدد مقاليد السلطة التي جاؤوا إليها من المنافي والسجون.
يلخص شباب سيدي بوزيد انتظاراته من حكومة حمادي الجبالي في تحقيق الشعارات التي رفعت في الايام الاولى للثورة وصدحت بها حناجر الشباب التونسي في كل قرية ومدينة في مختلف مناطق البلاد، "التشغيل(العمل) استحقاق" و"شغل(عمل) حرية كرامة وطنية".

سيدي بوزيد قصة إهمال دامت عقودا
دأمام مقر محافظة سيدي بوزيد، وقريبا من النصب التذكاري لملهم الثورة التونسية محمد البوعزيزي، نصب جمع من الشباب يعدون على الاصابع خيمتين الاولى للشباب خريجي الجامعة المُعطَّلين عن العمل كما يحبذون ان يوصفوا وليس العاطلين والثانية لاصحاب المشاريع. يحاولون أن يوصلوا اصواتهم إلى الجهات المسؤولة بالمحافظة وبالحكومة، ينامون هناك رغم برودة ليالي الشتاء. وجوههم كالحة ومغبرة ومنهكة من التعب والسهر والوقوف لساعات طويلة يعرضون مشكلاتهم للمارة.
يستوقفك رضوان ناجي، 26 سنة صاحب كفاءة مهنية في مجال البناء، ليقول لك أن مشروعه لبيع مستلزمات البناء لا يتطلب تمويلا كبيرا، فقط تمويل صغير لا يتجاوز عشرة آلاف دينار تونسي ( يورو يعادل 1,9 دينار تونسي) ويصبح صاحب عمل. ويضيف أن هناك ما يقارب عن 300 مشروع مُعطَّل في القطاعين الزراعي والصناعي"نحن ننظر ايجاد تمويلات من قبل البنوك وعلى الحكومة التحرك لايجاد حلول عملية لاصحاب المشاريع الصغرى التي ستمكن من خلق مواطن عمل بالمنطقة وتساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي".
أمام الخيمة الثانية، يؤكد حافظ خدمي، 28 سنة خريج هندسة ميكانيكية ومُعطَّل عن العمل منذ سنة  2006 على أنه يشارك في اعتصام خاص بأصحاب الشهادات الجامعية منذ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2011. ويقول "مطلبنا الاساسي من الحكومة الجديدة هي التنمية". ويشير إلى أن أولويات عمل الحكومة ينبغي أن تتجه أساسا إلى تدعيم البنية التحتية في مختلف المناطق وتوفير الامكانيات اللازمة لبعث قطب صناعي متعدد الاختصاصات وتطوير المنظومة الصحية والجامعية. وأمام نفس الخيمة، تلح تركية أولاد أحمد 27 سنة، حاملة استاذية في الأنجليزية، أن من اولويات عمل الحكومة على ضرورة العناية بالارياف والمناطق النائية وربطها بشبكة الطرقات الوطنية والطرقات السيارة.

"القاطرة التي لم تنطلق في سيدي بوزيد"
وفي رده على تساؤلات ومخاوف شباب المنطقة، يقول سالم العيساوي، الرئيس المدير العام لشركة التنمية الاقتصادية بسيدي بوزيد أن من أولويات عمل الحكومة في المرحلة الحالية ايجاد حلول عاجلة لطلبات العمل، عبر تشجيع الاستثمار وحل مختلف الإشكاليات المتعلقة بالمناطق والمناطق المخصصة  لاقامة مشاريع صناعية. ويرى أن على الحكومة تكوين لجنة مختصة تتكفل بإيجاد الحلول الملائمة لمختلف الإشكاليات العقارية والادارية التي يمكن أن تواجه المستثمر عند رغبته الاستقرار بالمنطقة.
وكمؤسسة للنهوض بالاستثمار في المنطقة يعدد سالم العيساوي عشرات المشاريع ونوايا الاستثمار بمنطقة سيدي بوزيد، ولكن يقول أن البنية التحتية الصناعية وبطء الإجراءات والتراتيب الإدارية تعيق توفير الظروف الملائمة لبعث المشاريع بمختلف المناطق، ويضيف أن على الحكومة الجديدة أن تضع نموذج تنمية يتماشى وخصوصيات المنطقة وثرواتها الطبيعية.

العمل أولا
منطقة سيدي بوزيد معروفة بانتاجها للخضروات  
في مقر التنسيقية المحلية لحاملي الشهادات العليا المعطلين عن العمل بمدينة الرقاب التي شهدت سقوط أكبر عدد من الشهداء بمحافظة سيدي بوزيد خلال الثورة، يجلس رفيق خليفي 30 سنة خريج فنون جميلة وخالد عبيدي، 41 سنة، خريج آداب عربية يرتشفون القهوة ويرتبون ملفات العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا حسب الاختصاص.
ويؤكد خالد عبيدي، ان للتنسيقية دور نقابي، إذ تهتم بالإحاطة بالمعطلين عن العمل وتمثيلهم لدى المصالح المحلية والجهوية والوطنية، ويقول أن ما يفوق 1400 حامل شهادة عليا هو عضو في التنسيقية. ويقول العبيدي "نطالب الحكومة الجديدة باعتماد مقاييس شفافة وعادلة للانتدابات بالوظئاف العامة". ويضيف جليسه رفيق خليفي "قمنا في الفترة الاخيرة بالتنسيق مع المصالح الجهوية للتربية بانتداب 38 مربيا احتياطيا"، ويؤكد ان تنسيقية الرقاب هي الوحيدة في المحافظة التي فرضت التنسيق مع مديري المعاهد والمدارس عند تعويض المربين.
ويقول رفيق الخليفي "ننتظر من الحكومة تشريك الهياكل المحلية والجهوية في عمليات الانتداب بالقطاع العمومي وأن تسعى إلى استحداث بعث المشاريع وخصوصا في المجالات التي تختص بها المحافظة مثل الصناعات الغذائية التحويلية". ومن جهته يوضح خالد عبيدي أن التنسيقية تشارك في انشطة المجتمع المدني المحلي بفاعلية وقد ربطت علاقات متميزة مع مختلف الأطراف ومع شركاء بعدد من دول أوروبا كايطاليا وفرنسا واسبانيا.

الفتاة الريفية، التعب المضني والصوت المنسي
 من حقل إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى داخل محافظة سيدي بوزيد، لا ترى عندما تخرج من المدن أو التجمعات السكانية الحضرية غير المزارعين المنهمكين في عملهم. وتكاد النساء وخصوصا الفتيات  لا يجدن غير هذا العمل للنهوض بأوضاعهن. فمنذ الصباح الباكر، تراهن يسرن في اتجاه الحقول والبساتين ليعملن لساعات مضنية غير عابئين بحر الصيف أو برد الشتاء.
تقول زينب دلهومي، 23 سنة، أن العمل متعب ولكن البقاء في المنزل أكثر تعبا وخصوصا التعب النفسي. "انا اقوم بتجهيز نفسي للزواج. إبن الحلال غير موجود ولكن أملي أن أجده وان اكون مستعدة...وأقوم في كل مرة بشراء شيء ما...لبيتي المقبل إن شاء الله".
رسالة زينب، لحكومة الجبالي الالتفات للمرأة العاملة في القطاع الزراعي. وترسل زينب برسالة إلى الحكومة "أنا أعمل مدة 8 ساعات يومية ب 7 دنانير أخصص منهما دينارين للنقل... لا ترسيم ولا تأمين صحي... إذا مرضت يوما لا راتب ولا تأمين... أملي أن أرى المرأة العاملة في القطاع الزراعي تتمتع بحقوقها". وتضيف"في المزرعة التي أعمل بها بدون انقطاع لا أحد يعمل بصفة ثابتة غير الحارس، ولكن هناك قرابة 10 مواطن عممل ثابتة ودائمة، اضافة إلى 40 موطن عمل موسمي... أصحاب المزارع والمشاريع لا يلتفتون إلى المرأة العاملة...".
وتوافقها زميلتها حليمة جلالي التي تشاركها العمل وتضيف أن النقل هو هاجس المرأة الريفية. وتقول انها تنتقل يوميا في مسالك ترابية وعلى شاحنات مفتوحة وانها تعاني البرد شتاء والحر صيفا... وتقول حليمة لأصحاب القرار الجدد "نحن انتخبناكم ونحن من نطعمكم كل يوم، إذا لم أزرع بيدي الخشنتين الخضر وأسقي واجني الثمار، فلن يصل إلى طاولتك شيء، التفتوا إلينا نحن فتيات الريف العاملات بالحقول، لا تنسوا تعبنا...".
مدينة الرقاب دفعت أكبر عدد من شهداء الثورة بمحاافظة سيدي بوزيدمدينة الرقاب دفعت أكبر عدد من شهداء الثورة بمحاافظة سيدي بوزيد
ويرى محللون بأن حكومة الجبالي قد تواجه صعوبات تتعلق بمزاج شباب المنطقة وأهاليها الذين ما يزالون يشعرون بمرارة الاهمال والنسيان الذي طالهم لمدة عقود. ففضلا عن تحديات التنمية وخصوصا مسألة توظيف العاطلين، قد تواجه حكومة الإسلاميين خلفية سلبية عن رئيس حكومتها قبل أن يتولى منصبه.
 حيث أدت تصريحات أدلى بها إثر انتخابات المجلس التأسيسي في 23 اكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفُهم منها أنها انتقاص من أهالي المنطقة ونواب مستقلين انتخبوا ضمن لوائح "العريضة الشعبية" المستقلة التي تقدت على حزب النهضة في سيدي بوزيد، فخرج شبان غاضبون في المنطقة وأقدموا على إحراق واتلاف مباني حكومية، كما تعرض مبنى فرع حزب النهضة الإسلامي للاحراق.

0 التعليقات

Write Down Your Responses