عبدالله يروي قصة تسلله مع زوجته وطفله إلى الأردن وكيف ساعدهم الجيش الأردني لاجئ سوري: نفضل الموت في حقول الألغام على تسليم أنفسنا لقوات الأمن السورية


 الصياد نيوز - يفضل المطلوبون السوريون، من نشطاء المسيرات والمظاهرات الشعبية المندلعة منذ عدة أشهر، التي تطالب برحيل النظام، الموت وسط حقول الألغام، التي زرعها الجيش السوري على طول الشريط الحدودي مع الأردن، على أن يسلموا أنفسهم لقوات الأمن السورية، بحسب ما يؤكد اللاجئ السوري يوسف عبدالله.
يقول يوسف عبدالله (وهو اسم وهمي بناء على طلبه)، والذي أصيبت زوجته قبل عشرة أيام بعيار ناري أثناء محاولته وعائلته الصغيرة التسلل إلى الأراضي الأردنية، إن "هناك مذابح ومجازر ارتكبتها قوات الأمن السوري والجيش والشبيحة بحق السوريين، سواء داخل المعتقلات أو في المدن السورية"، لافتا إلى أن "الأهالي اكتشفوا في مدينة درعا، وحدها حتى الآن، ثلاث مقابر جماعية، منذ اندلاع الثورة السورية في آذار (مارس) الماضي".
ويؤكد يوسف أن "جميع المطلوبين، الذين تتم ملاحقتهم من قبل قوات الأمن السوري، أصبحوا يفضلون الموت في حقول الألغام، على تسليم أنفسهم لأجهزة الأمن"، مؤكدا أن "التعذيب في المعتقلات يستمر حتى الموت بوسائل بشعة للغاية وتقشعر لها الأبدان".
وحسب إحصاءات ناشطين سوريين ومنظمات حقوقية سورية ودولية، فإن عدد قتلى الأحداث في سورية ناهز خمسة آلاف قتيل، بينهم عشرات الأطفال والنساء.
ويستعرض يوسف بعض الوسائل، التي يمارسها الأمن السوري على المطلوبين، والتي تدفعهم إلى التسلل طلبا للجوء، منها اعتقال زوجاتهم وشقيقاتهم وذويهم بشكل عام، لغايات الضغط عليهم حتى يسلموا أنفسهم، وأحيانا اعتقال أطفال المطلوبين والتنكيل بهم.
وهذا السبب هو ما دفع يوسف (23 عاما) للفرار إلى الأردن، بحثا عن مكان آمن، إذ يشير إلى أنه عندما قامت أجهزة الأمن باعتقال طفله محمد، الذي لم يتجاوز ثلاثة أعوام ونصف العام فقط، بقصد الضغط عليه وإجباره على تسليم نفسه، يقول: "لولا الله وتدخل سيدات القرية، اللواتي توجهن إلى ناقلة الأمن، وادعاء احداهن بأن الطفل هو ابنها، وأنها تركته في منزلي للذهاب لقطف الزيتون، لما تركوه".
ويضيف: "تعرضت سيدات القرية، أثناء محاولاتهن استرجاع الطفل، للضرب وإساءة المعاملة لمدة ساعات، قبل أن يتمكن من استعادة الطفل".
وتابع: "بعد أن علمت باعتقال طفلي محمد قررت اللجوء إلى الأردن، على الرغم من علمي أن الشريط الحدودي بين البلدين مزروع بالألغام، لكنني، كغيري من الملاحقين، فضلت الموت في تلك الحقول، على تسليم نفسي للسلطات السورية".
ويروي الشاب يوسف تفاصيل معاناة أهالي درعا، التي انطلقت منها شرارة الثورة السورية، بالقول: "المظاهرات بدأت خفيفة، وحجم الأمن، الذي كان يقمعها كان قليلا أيضا، ولكن مع مرور الأيام وممارسات قوات الأمن السوري بحق الأهالي من اعتقال وعمليات قتل، وسلب ونهب واعتداءات جنسية أحيانا على بعض النساء، زاد حجم المظاهرات وحجم المشاركين فيها، وانضم لها مشاركون من مختلف القرى المجاورة لمدينة درعا"، لافتا إلى أن "المتظاهرين كانوا يتجمعون في ساحتي السرايا والمسجد العمري بدرعا".
ويوضح أن "قوات الأمن والجيش لجأوا إلى قتل المتظاهرين في الساحتين، وحرق الخيم، وتم فرض حظر تجول في كلتا الساحتين، وأمام هذه الممارسات القمعية ازداد أهالي درعا إصرارا وعزيمة على تنفيذ المسيرات، التي بدأت بالمطالبة بإصلاحات، لتتحول لاحقا إلى المطالبة برحيل نظام الأسد، وذلك بسبب أساليب العنف المتعددة التي كان يتعرض لها المعتصمون".
ويقول "وفي شهر أيار (مايو) الماضي، اقتحم الجيش مدينة درعا، مزودا بكافة آلياته العسكرية، وفرض طوقا عليها وحاصرها، ومنع الأهالي من الخروج، ثم قطع الماء والكهرباء والأدوية وكافة وسائل الاتصال عن المدينة، بالإضافة إلى المواد الغذائية".
ويضيف "وبعد عملية المحاصرة وعزل درعا عن العالم الخارجي، بدأت عمليات المداهمة، والقتل، والاعتقال والسلب وتحطيم الأثاث المنزلي وإتلاف المواد التموينية، أو مصادرتها أحيانا"، موضحا أنه "لا يوجد حتى الآن إحصائيات دقيقة بعدد المعتقلين أو القتلى، لكن الأرقام التي كنا نتعامل معها بشكل يومي، تشير إلى أكثر مما كانت تتناقله وسائل الإعلام العربية والأجنبية".
وتقدر منظمات حقوقية وسياسية أعداد المعتقلين السوريين منذ بداية الأحداث بعشرات الآلاف من السوريين، حيث تحولت العديد من المدارس والمؤسسات العامة هناك إلى معتقلات وأماكن للاحتجاز والتوقيف.
ويروي يوسف ظروف سكان درعا أثناء حصار المدينة، ويقول "كان أهالي القرى المجاورة، وأنا أحدهم، نستخدم الدراجات النارية، ونسلك طرقا ترابية التفافية للدخول إلى المدينة، وتوصيل المواد التموينية والأدوية، وكذلك نقل المصابين إلى المشافي الميدانية القريبة من درعا، والتي كانت في غاية السرية، كون قوات الأمن السوري اعتقلت الكوادر الطبية والتمريضية في مستشفى درعا، وكانت تلاحق المصابين الذين يتم إسعافهم إلى المستشفى أو المراكز الصحية لتجهز عليهم هناك".
ويقول "بعد أن أصبح عدد من النشطاء في مدينة درعا يستخدمون الهواتف الخلوية، التي تحمل شريحة لإحدى شبكات الاتصالات الأردنية، لتبليغ العالم والإعلام الأجنبي والعربي عن الممارسات التي يتعرض لها الأهالي في درعا، مزودة بالصور أحيانا، متضمنة الجرائم العديدة هنا، بدأت قوات الأمن والجيش بسرقة جثث الثوار، ودفنها في مقابر جماعية"، لافتا إلى أن "الأهالي اكتشفوا حتى الآن ثلاث مقابر جماعية، إحداها كانت لأسرة كاملة مكونة من أب وأبنائه الخمسة".
ويضيف "بعد أن وجدت قوات الأمن والجيش السوري أن الخلويات المزودة بشبكة أردنية تكشف عن جرائمهم، وبدأت تتسرب إلى وسائل إعلام متعددة، أخذت قوات الأمن والجيش بتنفيذ عمليات قتل واعتقال لكل من يضبط وبحوزته جهاز نقال يحتوي على شريحة أردنية، كذلك باتوا يفتشون الخلويات التي تحتوي صورا لجرائم حرب ارتكبت بحق المدنيين".
وعلى صعيد الاعتقال، يوضح أن "قوات الأمن السوري كانت تعتقل المواطنين بشكل عشوائي، ولا تراعي ما إذا كان المعتقل من كبار السن، حيث تم اعتقال عدد منهم، أو نساء أو أطفال أحيانا، ناهيك عن اعتقال أعداد هائلة من فئة الشباب، والذهاب بهم إلى معتقلات مجهولة داخل مبان أجهزة المخابرات السورية".
ويتحدث يوسف عن أساليب التعذيب، التي يتعرض لها المعتقلون من شباب الثورة السورية، واصفا إياها بـ "أسوأ أنواع التعذيب"، من بينها، تثقيب أجسادهم بـ"درل كهربائي"، وتركهم ينزفون حتى الموت، وذلك بغية انتزاع اعترافات منهم، تكون غير صحيحة، ومفادها "أنه شارك بالمظاهرات وأن هناك جهات خارجية تموله وتحرضه لغايات المشاركة فيها"، ناهيك عن خلع الأظافر، وقلع الأسنان والتعذيب بالصعقات الكهربائية.
ويقول إن "المعتقلين حملوا بعد خروج البعض منهم من الاعتقال آثار التشويه والتعذيب، فضلا عما أصابهم من اختلالات نفسية أو عقلية أحيانا، جراء تعرضهم للتعذيب النفسي والجسدي".
وبحسب الشاب يوسف، فإنه "بعد أن أنهت قوات الأمن والجيش محاصرة درعا، وتمشيطها بحثا عن مطلوبين، توجهت إلى القرى المجاورة، وكانت قريته إحداها، حيث فوجئ بمداهمة منزله فجرا من قبل قوات الأمن السوري، لكنه تمكن من الفرار، هو وعدد من أبناء القرية، إلى منطقة مليئة بالمزارع والأشجار الكثيفة، التي يصعب على قوات الأمن العثور عليهم فيها".
ويضيف ان "قوات الأمن السوري، بعد أن داهمت منزله، قامت بعمليات سلب ونهب، كسرقة مصاغ زوجته الذهبي، إضافة إلى إتلاف كافة الأثاث والمواد التموينية، بعدها حاصرت القرية، واعتقلت في ذلك اليوم نحو 76 شابا من أبنائها".
ومنذ حزيران (يونيو) الماضي، وفق يوسف فقد "بقي عدد كبير من شبان مختلف القرى المحيطة بدرعا مختبئين في المزارع، حيث يلجأون إلى طمأنة أهاليهم وأسرهم على أحوالهم عبر وسائل الاتصال فقط، فيما تمت مداهمة منازلهم عشرات المرات، وبعد أن علمت قوات الأمن السوري بمكان تواجدنا، داهمت هذه المزارع، وأطلقت النار بكثافة علينا، كما وضعت سياجا من الألغام حول بعض المزارع"، لافتا إلى أنه "مع حلول فصل الشتاء، وما يصاحبه من البرد القارس، وصعوبة العيش في تلك الظروف، تزايدت الضغوط على المطلوبين، ما دفع الكثيرين للفرار تسللا إلى الأردن".
وقبل فراره بثلاثة أيام، حضرت قوة أمنية إلى منزل يوسف، وبدأت بالبحث عنه، حيث شاهدت طفله محمد، واعتقلته للضغط على والده، حيث ترك الأمن رسالة له عبر والدته، تقول "إذا أراد طفله، عليه أن يقوم بتسليم نفسه"، حينها تدافعت النسوة نحو رجال الأمن، وادعت إحداهن أنه طفلها، وأنها تركته في منزلنا كونها ذهبت لقطف الزيتون".
ويشير إلى أنه "بعد وقوع هذه الحادثة، وتدخل العناية الإلهية بترك طفلي سالما، قررت اللجوء إلى الأردن، وفضلت مثل غيري من المطلوبين اجتياز حقول الألغام على الشريط الحدودي، على تسليم نفسي لقوات الأمن، حيث توجهت أنا وزوجتي، الحامل بالشهر الرابع وطفلنا، الساعة السادسة صباحا، حتى وصلنا إلى كرم من الزيتون، يبعد عن الشريط الحدودي نحو 150 مترا، وهنا حضر عدد من أفراد الجيش السوري، وسألوني عن اسمي، وسبب حضوري، فأبلغتهم "أن هذه أرضي، وحضرت مع زوجتي وطفلي لقطف ثمار الزيتون".
ويضيف "انهم تركوني وشأني، لكنهم استمروا في مراقبتي، حيث انتظرت حتى الساعة الثالثة عصرا من ذلك اليوم، قبل عشرة أيام، وهنا طلبت من زوجتي أن تركض بكل قواها نحو الساتر الحدودي، وذلك بعد أن فضلنا الموت في انفجار أحد الألغام الموجودة بالقرب من الساتر، على الوقوع في أيدي الأمن السوري".
ويقول إن "أفرادا من الجيش السوري شاهدونا، وبدأوا ينادون علينا بعبارة (قف)، لكنني لم أتوقف، وأكملنا الجري، بسرعة نحو الساتر، وأثناء ذلك بدأت قوات الجيش السوري بإطلاق العيارات النارية صوبنا، ولكن، بحمد الله، تمكنا من اجتياز الساتر، ودخول المنطقة المحرمة، ولدى دخولنا أصيبت زوجتي بعيار ناري بالظهر، ورغم ذلك واصلنا الجري، حتى وصلت إلينا سيارة مصفحة أرسلتها قوات الجيش الأردني، وقامت بإسعاف زوجتي، وتقديم المساعدة اللازمة لنا".
ولم يكن الشاب يوسف هو الوحيد من أسرته، الذي فضل العبور تسللا إلى الأردن، هربا من قوات الأمن السوري التي تلاحقه، فشقيقه (خالد) أيضا حضر إلى الأردن، مع عائلته بذات الطريقة قبل ثلاثة أشهر، بعد أن أصيب بعيار ناري، من قبل قوات الأمن السوري، أثناء مشاركته في مظاهرة في درعا، حيث تمت معالجته داخل مستشفى سري بالمدينة، كونه أصبح مطلوبا، لاذ بالفرار إلى الأردن.
يذكر أن شابين سوريين قتلا في انفجار لغم سوري قبل نحو شهرين، أثناء محاولتهما التسلل إلى الأردن عبر الحدود، هربا من الأمن السوري.
ووفق إحصائيات شبه رسمية، فقد استقبلت المملكة، منذ بداية الأحداث في سورية، حوالي أربعة آلاف سوري، 600 منهم دخلوا الأردن بطريقة غير مشروعة، ويحظر عليهم مغادرة مدينة الرمثا، حيث تعد ظروفهم المعيشية سيئة، من بينهم الشاب يوسف، الذي يعيش في منزل عائلة شقيقه خالد، الفار أيضا من الأمن السوري إلى الأرد
ن

0 التعليقات

Write Down Your Responses